سورة الزخرف - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


قوله: {حم * والكتاب المبين} الكلام ها هنا في الإعراب كالكلام الذي قدّمناه في {يس * والقرءان الحكيم} [يس: 1، 2]، فإن جعلت {حم} قسماً كانت الواو عاطفة، وإن لم تجعل قسماً، فالواو للقسم، وجواب القسم {إِنَّا جعلناه}، وقال ابن الأنباري: من جعل جواب، والكتاب: {حم} كما تقول: نزل والله، وجب والله وقف على {الكتاب المبين}، ومعنى {جعلناه}، أي: سميناه، ووصفناه، ولذلك تعدّى إلى مفعولين.
وقال السدّي: المعنى: أنزلناه {قُرْءاناً}.
وقال مجاهد: قلناه.
وقال سفيان الثوري: بيناه {عَرَبِيّاً}، وكذا قال الزجاج، أي: أنزل بلسان العرب، لأن كلّ نبي أنزل كتابه بلسان قومه.
وقال مقاتل: لأن لسان أهل الجنة عربيّ {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي: جعلنا ذلك الكتاب قرآناً عربياً لكي تفهموه، وتتعقلوا معانيه، وتحيطوا بما فيه. قال ابن زيد: لعلكم تتفكرون. {وَإِنَّهُ فِى أُمّ الكتاب} أي: وإن القرآن في اللوح المحفوظ {لَدَيْنَا} أي: عندنا {لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ} رفيع القدر محكم النظم لا يوجد فيه اختلاف، ولا تناقض، والجملة عطف على الجملة المقسم بها داخلة تحت معنى القسم، أو مستأنفة مقرّرة لما قبلها. قال الزجاج: {أمّ الكتاب}: أصل الكتاب، وأصل كلّ شيء: أمه، والقرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ كما قال: {بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ * فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} [البروج: 21، 22] وقال ابن جريج: المراد بقوله: {وَأَنَّهُ} أعمال الخلق من إيمان، وكفر، وطاعة، ومعصية. قال قتادة: أخبر عن منزلته، وشرفه، وفضله، أي: إن كذبتم به يا أهل مكة، فإنه عندنا شريف رفيع محكم من الباطل. {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحاً} يقال: ضربت عنه، وأضربت عنه: إذا تركته، وأمسكت عنه، كذا قال الفراء، والزجاج، وغيرهما، وانتصاب {صفحاً} على المصدرية، وقيل: على الحال، على معنى: أفنضرب عنكم الذكر صافحين، والصفح مصدر قولهم: صفحت عنه إذا أعرضت عنه، وذلك أنك توليه صفحة وجهك، وعنقك، والمراد بالذكر هنا: القرآن، والاستفهام للإنكار، والتوبيخ. قال الكسائي: المعنى: أفنضرب عنكم الذكر طياً فلا توعظون، ولا تؤمرون.
وقال مجاهد، وأبو صالح، والسدّي: أفنضرب عنكم العذاب، ولا نعاقبكم على إسرافكم، وكفركم.
وقال قتادة: المعنى: أفنهلككم، ولا نأمركم، ولا ننهاكم؟ وروي عنه: أنه قال: المعنى: أفنمسك عن إنزال القرآن من قبل أنكم لا تؤمنون به؟ وقيل: الذكر: التذكير، كأنه قال: أنترك تذكيركم {أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ}، قرأ نافع، وحمزة، والكسائي: {إن كنتم} بكسر {إن} على أنها الشرطية، والجزاء محذوف لدلالة ما قبله عليه. وقرأ الباقون بفتحها على التعليل، أي: لأن كنتم قوماً منهمكين في الإسراف مصرّين عليه، واختار أبو عبيد قراءة الفتح. ثم سلى سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيّ فِى الأولين} كم هي الخبرية التي معناها: التكثير، والمعنى: ما أكثر ما أرسلنا من الأنبياء في الأمم السابقة {وَمَا يَأْتِيهِم مّنْ نَّبِىّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} كاستهزاء قومك بك {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً} أي: أهلكنا قوماً أشدّ قوّة من هؤلاء القوم، وانتصاب {بطشاً} على التمييز أو الحال، أي: باطشين {ومضى مَثَلُ الأولين} أي: سلف في القرآن ذكرهم غير مرة.
وقال قتادة: عقوبتهم، وقيل: صفتهم، والمثل: الوصف والخبر. وفي هذا تهديد شديد، لأنه يتضمن أن الأوّلين أهلكوا بتكذيب الرسل، وهؤلاء إن استمروا على تكذيبك والكفر بما جئت به هلكوا مثلهم. {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والارض لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم} أي: لئن سألت هؤلاء الكفار من قومك من خلق هذه الأجرام العلوية والسفلية؟ أقرّوا بأن الله خالقهنّ ولم ينكروا، وذلك أسوأ لحالهم وأشدّ لعقوبتهم، لأنهم عبدوا بعض مخلوقات الله وجعلوه شريكاً له، بل عمدوا إلى ما لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضرّ من المخلوقات وهي: الأصنام فجعلوها شركاء لله. ثم وصف سبحانه نفسه بما يدلّ على عظيم نعمته على عباده وكمال قدرته في مخلوقاته فقال: {الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض مهادا} وهذا كلام مبتدأ غير متصل بما قبله، ولو كان متصلاً بما قبله من جملة مقول الكفار لقالوا: الذي جعل لنا الأرض مهاداً، والمهاد: الفراش والبساط، وقد تقدّم بيانه، قرأ الجمهور: {مهاداً} وقرأ الكوفيون {مهداً} {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً} أي طرقاً تسلكونها إلى حيث تريدون، وقيل: معايش تعيشون بها {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} بسلوكها إلى مقاصدكم ومنافعكم. {والذى نَزَّلَ مِنَ السماء مَاء بِقَدَرٍ} أي: بقدر الحاجة وحسبما تقتضيه المصلحة ولم ينزل عليكم منه فوق حاجتكم حتى يهلك زرائعكم ويهدم منازلكم ويهلككم بالغرق، ولا دونها حتى تحتاجوا إلى الزيادة، وعلى حسب ما تقتضيه مشيئته في أرزاق عباده بالتوسيع تارة والتقتير أخرى {فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً} أي: أحيينا بذلك الماء بلدة مقفرة من النبات. قرأ الجمهور: {ميتاً} بالتخفيف. وقرأ عيسى وأبو جعفر بالتشديد {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} من قبوركم، أي: مثل ذلك الإحياء للأرض بإخراج نباتها بعد أن كانت لا نبات بها تبعثون من قبوركم أحياء، فإن من قدر على هذا قدر على ذلك، وقد مضى بيان هذا في آل عمران والأعراف. قرأ الجمهور: {تخرجون} مبنياً للمفعول، وقرأ الأعمش، ويحيى بن وثاب، وحمزة، والكسائي، وابن ذكوان عن ابن عامر مبنياً للفاعل. {والذى خَلَقَ الأزواج كُلَّهَا} المراد بالأزواج هنا: الأصناف، قال سعيد بن جبير: الأصناف كلها.
وقال الحسن: الشتاء والصيف، والليل والنهار، والسموات والأرض، والجنة والنار. وقيل: أزواج الحيوان من ذكر وأنثى، وقيل: أزواج النبات، كقوله: {وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق: 7] و: {مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 7] وقيل: ما يتقلب فيه الإنسان من خير وشرّ، وإيمان وكفر، والأوّل أولى {وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ} في البحر والبرّ، أي: ما تركبونه {لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ} الضمير راجع إلى ما قاله أبو عبيد.
وقال الفراء: أضاف الظهور إلى واحد، لأن المراد به: الجنس، فصار الواحد في معنى الجمع بمنزلة الجنس فلذلك ذكر، وجمع الظهر لأن المراد ظهور هذا الجنس، والاستواء: الاستعلاء، أي: لتستعلوا على ظهور ما تركبون من الفلك والأنعام {ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ} أي: هذه النعمة التي أنعم بها عليكم من تسخير ذلك المركب في البحر والبرّ.
وقال مقاتل والكلبي: هو أن يقول: الحمد لله الذي رزقني هذا وحملني عليه {وَتَقُولُواْ سبحان الذى سَخَّرَ لَنَا هذا} أي: ذلل لنا هذا المركب، وقرأ عليّ بن أبي طالب: {سبحان من سخر لنا هذا} قال قتادة: قد علمكم كيف تقولون إذا ركبتم، ومعنى {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}: ما كنا له مطيقين، يقال: أقرن هذا البعير: إذا أطاقه.
وقال الأخفش وأبو عبيدة: مقرنين: ضابطين، وقيل: مماثلين له في القوّة، من قولهم: هو قرن فلان إذا كان مثله في القوّة، وأنشد قطرب قول عمرو بن معديكرب:
لقد علم القبائل ما عقيل *** لنا في النائبات بمقرنينا
وقال آخر:
ركبتم صعبتي أشراً وحيفا *** ولستم للصعاب بمقرنينا
والمراد بالأنعام هنا: الإبل خاصة، وقيل الإبل والبقر، والأوّل أولى {وَإِنَّا إلى رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ} أي: راجعون إليه، وهذا تمام ما يقال عند ركوب الدابة أو السفينة. ثم رجع سبحانه إلى ذكر الكفار الذين تقدّم ذكرهم، فقال: {وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا} قال قتادة: أي: عدلاً، يعني: ما عبد من دون الله.
وقال الزجاج والمبرد: الجزء هنا: البنات، والجزء عند أهل العربية: البنات، يقال: قد أجزأت المرأة: إذا ولدت البنات، ومنه قول الشاعر:
إن أجزأت حرّة يوماً فلا عجب *** قد تجزئ الحرّة المذكار أحياناً
وقد جعل صاحب الكشاف تفسير الجزء بالبنات من بدع التفسير، وصرح بأنه مكذوب على العرب. ويجاب عنه بأنه قد رواه الزجاج والمبرد، وهما إماما اللغة العربية وحافظاها ومن إليهما المنتهى في معرفتها، ويؤيد تفسير الجزء بالبنات ما سيأتي من قوله: {أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} وقوله: {وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن} وقوله: {وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا} وقيل: المراد بالجزاء هنا: الملائكة؛ فإنهم جعلوهم أولاداً لله سبحانه قاله مجاهد والحسن. قال الأزهري: ومعنى الآية: أنهم جعلوا لله من عباده نصيباً، على معنى: أنهم جعلوا نصيب الله من الولدان {إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ} أي: ظاهر الكفران مبالغ فيه، قيل: المراد بالإنسان هنا: الكافر، فإنه الذي يجحد نعم الله عليه جحوداً بيناً.
ثم أنكر عليهم هذا فقال: {أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} وهذا استفهام تقريع وتوبيخ. وأم هي: المنقطعة، والمعنى: أتخذ ربكم لنفسه البنات {وأصفاكم بالبنين} فجعل لنفسه المفضول من الصنفين ولكم الفاضل منهما، يقال: أصفيته بكذا، أي: آثرته به، وأصفيته الودّ: أخلصته له، ومثل هذه الآية قوله: {أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى} [النجم: 21، 22] وقوله: {أفأصفاكم رَبُّكُم بالبنين} [الإسراء: 40] وجملة: {وأصفاكم} معطوفة على {اتخذ} داخلة معها تحت الإنكار. ثم زاد في تقريعهم وتوبيخهم فقال: {وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ للرحمن مَثَلاً} أي بما جعله للرحمن سبحانه من كونه جعل لنفسه البنات، والمعنى: أنه إذا بشر أحدهم بأنها ولدت له بنت اغتمّ لذلك وظهر عليه أثره، وهو معنى قوله: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا} أي: صار وجهه مسودًّا بسبب حدوث الأنثى له حيث لم يكن الحادث له ذكراً مكانها {وَهُوَ كَظِيمٌ} أي: شديد الحزن كثير الكرب مملوء منه. قال قتادة: حزين.
وقال عكرمة: مكروب، وقيل: ساكت، وجملة {وَهُوَ كَظِيمٌ} في محل نصب على الحال. ثم زاد في توبيخهم وتقريعهم فقال: {أَوْ من يُنَشَّأُ فِى الحلية وَهُوَ فِى الخصام غَيْرُ مُبِينٍ} معنى ينشأ: يربى، والنشوء: التربية، والحلية: الزينة، و{من} في محل نصب بتقدير مقدّر معطوف على {جعلوا}؛ والمعنى: أو جعلوا له سبحانه من شأنه أن يربى في الزينة وهو عاجز عن أن يقوم بأمور نفسه، وإذا خوصم لا يقدر على إقامة حجته ودفع ما يجادله به خصمه لنقصان عقله وضعف رأيه؟ قال المبرد: تقدير الآية: أو يجعلون له من ينشأ في الحلية، أي: ينبت في الزينة؟ قرأ الجمهور: {ينشأ} بفتح الياء وإسكان النون، وقرأ ابن عباس والضحاك، وابن وثاب، وحفص، وحمزة، والكسائي، وخلف بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين. واختار القراءة الأولى أبو حاتم، واختار الثانية أبو عبيد. قال الهروي: الفعل على القراءة الأولى لازم، وعلى الثانية متعدّ. والمعنى: يربى ويكبر في الحلية. قال قتادة: قلما تتكلم امرأة بحجتها إلاّ تكلمت بالحجة عليها.
وقال ابن زيد والضحاك: الذي ينشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة. {وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِندَ الرحمن إناثا} الجعل هنا بمعنى القول والحكم على الشيء كما تقول: جعلت زيداً أفضل الناس، أي: قلت بذلك، وحكمت له به. قرأ الكوفيون: {عباد} بالجمع، وبها قرأ ابن عباس. وقرأ الباقون: {عند الرحمن} بنون ساكنة، واختار القراءة الأولى أبو عبيد، لأن الإسناد فيها أعلى، ولأن الله إنما كذبهم في قوله: إنهم بنات الله، فأخبرهم أنهم عباده، ويؤيد هذه القراءة قوله: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} [الأنببياء: 26]، واختار أبو حاتم القراءة الثانية، قال: وتصديق هذه القراءة قوله: {إِنَّ الذين عِندَ رَبّكَ} [الأعراف: 206]، ثم وبخهم، وقرعهم، فقال: {أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} أي: أحضروا خلق الله إياهم، فهو من الشهادة التي هي: الحضور، وفي هذا تهكم بهم، وتجهيل لهم. قرأ الجمهور: {أشهدوا} على الاستفهام بدون واو. وقرأ نافع: {أو اشهدوا}. وقرأ الجمهور: {سَتُكْتَبُ شهادتهم} بضم التاء الفوقية، وبناء الفعل للمفعول، ورفع شهادتهم، وقرأ السلمي، وابن السميفع، وهبيرة عن حفص بالنون، وبناء الفعل للفاعل، ونصب شهادتهم، وقرأ أبو رجاء: {شهاداتهم} بالجمع، والمعنى: سنكتب هذه الشهادة التي شهدوا بها في ديوان أعمالهم، لنجازيهم على ذلك {وَيُسْئَلُونَ} عنها يوم القيامة. {وَقَالُواْ لَوْ شَاء الرحمن مَا عبدناهم} هذا فنّ آخر من فنون كفرهم بالله جاءوا به للاستهزاء، والسخرية، ومعناه: لو شاء الرحمن في زعمكم ما عبدنا هذه الملائكة، وهذا كلام حقّ يراد به باطل، وقد مضى بيانه في الأنعام، فبيّن سبحانه جهلهم بقوله: {مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} أي: ما لهم بما قالوه من أن الله لو شاء عدم عبادتهم للملائكة ما عبدوهم من علم، بل تكلموا بذلك جهلاً، وأرادوا بما صورته صورة الحقّ باطلاً، وزعموا أنه إذا شاء، فقد رضي. ثم بيّن انتفاء علمهم بقوله: {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} أي: ما هم إلاّ يكذبون، فيما قالوا، ويتمحلون تمحلاً باطلاً. وقيل: الإشارة بقوله: {ذلك} إلى قوله: {وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا}. قاله قتادة، ومقاتل، والكلبي، وقال مجاهد، وابن جريج أي: ما لهم بعبادة الأوثان من علم.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن أوّل ما خلق الله من شيء القلم، وأمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، والكتاب عنده، ثم قرأ: {وَإِنَّهُ فِى أُمّ الكتاب لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ}.
وأخرج ابن مردويه نحوه عن أنس مرفوعاً.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحاً} قال: أحببتم أن يصفح عنكم، ولم تفعلوا ما أمرتم به.
وأخرج مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، والحاكم، وابن مردويه عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر ركب راحلته، ثم كبر ثلاثاً، ثم قال: {سبحان الذى سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إلى رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} قال: مطيقين.
وأخرج عبد بن حميد عنه {أَوْ مِن يُنَشَّأُ فِى الحلية} قال: هو النساء فرق بين زيهنّ، وزيّ الرجال، ونقصهنّ من الميراث، وبالشهادة، وأمرهنّ بالقعدة، وسماهنّ الخوالف.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن سعيد بن جبير قال: كنت أقرأ هذا الحرف {الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا}، فسألت ابن عباس فقال: عباد الرحمن؟ قلت: فإنها في مصحفي عند الرحمن قال: فامحها، واكتبها {عِبَادُ الرحمن}.


قوله: {أَمْ ءاتيناهم كتابا مّن قَبْلِهِ} أم هي المنقطعة، أي: بل ءأعطيناهم كتاباً من قبل القرآن بأن يعبدوا غير الله {فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} يأخذون بما فيه، ويحتجون به، ويجعلونه لهم دليلاً، ويحتمل: أن تكون أم معادلة لقوله: {اشهدوا}، فتكون متصلة، والمعنى: أحضروا خلقهم أم آتيناهم كتاباً... إلخ. وقيل: إن الضمير في: {مِن قَبْلِهِ} يعود إلى ادّعائهم، أي: أم آتيناهم كتاباً من قبل ادّعائهم ينطق بصحة ما يدّعونه، والأوّل أولى. ثم بيّن سبحانه: أنه لا حجة بأيديهم، ولا شبهة، ولكنهم اتبعوا آباءهم في الضلالة، فقال: {بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على ءاثارهم مُّهْتَدُونَ}، فاعترفوا بأنه لا مستند لهم سوى تقليد آبائهم، ومعنى {على أمة}: على طريقة، ومذهب، قال أبو عبيد: هي: الطريقة، والدين، وبه قال قتادة، وغيره. قال الجوهري: والأمة: الطريقة، والدين، يقال: فلان لا أمة له، أي: لا دين له، ولا نحلة، ومنه قول قيس بن الخطيم:
كنا على أمة آبائنا *** ونقتدي الآخر بالأوّل
وقول الآخر:
وهل يستوي ذو أمة وكفور ***
وقال الفراء، وقطرب: على قبلة.
وقال الأخفش: على استقامة، وأنشد قول النابغة:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة *** وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع
قرأ الجمهور: {أمة} بضم الهمزة، وقرأ مجاهد، وقتادة، وعمر بن عبد العزيز بكسرها. قال الجوهري: والإمة بالكسر: النعمة، والإمة: أيضاً لغة في الأمة. ومنه قول عديّ بن زيد:
ثم بعد الفلاح والملك والإم *** ة وارتهم هناك قبور
ثم أخبر سبحانه أن غير هؤلاء من الكفار قد سبقهم إلى هذه المقالة، وقال بها، فقال: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّقْتَدُون} {مترفوها}: أغنياؤها، ورؤساؤها، قال قتادة: {مقتدون}: متبعون، ومعنى الاهتداء، والاقتداء متقارب، وخصص المترفين تنبيهاً على أن التنعم هو سبب إهمال النظر. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يردّ عليهم، فقال: {قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءابَاءكُمْ} أي: أتتبعون آباءكم، ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم، قال الزجاج: المعنى: قل لهم أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم، وإن جئتكم بأهدى منه. قرأ الجمهور: {قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُم}، وقرأ ابن عامر، وحفص: {قال أو لو جئتكم}، وهو حكاية لما جرى بين المنذرين، وقومهم، أي: قال كلّ منذر من أولئك المنذرين لأمته، وقيل: إن كلا القراءتين حكاية لما جرى بين الأنبياء، وقومهم، كأنه قال: لكل نبيّ قل، بدليل قوله: {قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون}.
وهذا من أعظم الأدلة الدالة على بطلان التقليد، وقبحه، فإن هؤلاء المقلدة في الإسلام إنما يعملون بقول أسلافهم، ويتبعون آثارهم، ويقتدون بهم، فإذا رام الداعي إلى الحق أن يخرجهم من ضلالة، أو يدفعهم عن بدعة قد تمسكوا بها، وورثوها عن أسلافهم بغير دليل نير، ولا حجة واضحة، بل بمجرّد قال. وقيل: لشبهة داحضة، وحجة زائفة، ومقالة باطلة، قالوا: بما قاله المترفون من هذه الملل: إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون، أو بما يلاقي معناه معنى ذلك، فإن قال لهم الداعي إلى الحقّ: قد جمعتنا الملة الإسلامية، وشملنا هذا الدين المحمدي، ولم يتعبدنا الله، ولا تعبدكم، وتعبد آباءكم من قبلكم إلاّ بكتابه الذي أنزله على رسوله، وبما صحّ عن رسوله، فإنه المبين لكتاب الله الموضح لمعانيه، الفارق بين محكمه، ومتشابهه، فتعالوا نردّ ما تنازعنا فيه إلى كتاب الله، وسنّة رسوله كما أمرنا الله بذلك في كتابه بقوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَئ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول} [النساء: 59]، فإن الردّ إليهما أهدى لنا ولكم من الردّ إلى ما قاله أسلافكم، ودرج عليه آباؤكم، نفروا نفور الوحوش، ورموا الداعي لهم إلى ذلك بكل حجر ومدر، كأنهم لم يسمعوا قول الله سبحانه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المؤمنين إِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: 51]، ولا قوله: {فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء: 65]، فإن قال لهم القائل: هذا العالم الذي تقتدون به، وتتبعون أقواله هو مثلكم في كونه متعبداً بكتاب الله، وسنّة رسوله، مطلوباً منه ما هو مطلوب منكم، وإذا عمل برأيه عند عدم وجدانه للدليل، فذلك رخصة له لا يحلّ أن يتبعه غيره عليها، ولا يجوز له العمل بها، وقد وجدوا الدليل الذي لم يجده، وها أنا أوجدكموه في كتاب الله، أو فيما صحّ من سنّة رسوله، وذلك أهدى لكم مما وجدتم عليه آباءكم، قالوا: لا نعمل بهذا، ولا سمع لك، ولا طاعة، ووجدوا في صدورهم أعظم الحرج من حكم الكتاب، والسنّة، ولم يسلموا ذلك، ولا أذعنوا له، وقد وهب لهم الشيطان عصي يتوكئون عليها عند أن يسمعوا من يدعوهم إلى الكتاب، والسنّة، وهي أنهم يقولون: إن إمامنا الذي قلدناه، واقتدينا به أعلم منك بكتاب الله، وسنّة رسوله، وذلك لأن أذهانهم قد تصوّرت من يقتدون به تصوراً عظيماً بسبب تقدّم العصر، وكثرة الأتباع، وما علموا أن هذا منقوض عليهم، مدفوع به في وجوههم، فإنه لو قيل لهم: إن في التابعين من هو أعظم قدراً، وأقدم عصراً من صاحبكم، فإن كان لتقدم العصر وجلالة القدر مزية حتى توجب الاقتداء، فتعالوا حتى أريكم من هو أقدم عصراً، وأجلّ قدراً، فإن أبيتم ذلك، ففي الصحابة رضي الله عنهم من هو أعظم قدراً من صاحبكم علماً، وفضلاً، وجلالة قدر، فإن أبيتم ذلك، فها أنا أدلكم على من هو أعظم قدراً، وأجلّ خطراً، وأكثر أتباعاً، وأقدم عصراً، وهو: محمد بن عبد الله نبينا، ونبيكم، ورسول الله إلينا، وإليكم، فتعالوا، فهذه سنّته موجودة في دفاتر الإسلام، ودواوينه التي تلقتها جميع هذه الأمة قرناً بعد قرن، وعصراً بعد عصر، وهذا كتاب ربنا خالق الكل، ورازق الكل، وموجد الكل بين أظهرنا موجود في كل بيت، وبيد كل مسلم لم يلحقه تغيير، ولا تبديل، ولا زيادة، ولا نقص، ولا تحريف، ولا تصحيف، ونحن، وأنتم ممن يفهم ألفاظه، ويتعقل معانيه، فتعالوا لنأخذ الحقّ من معدنه، ونشرب صفو الماء من منبعه، فهو أهدى مما وجدتم عليه آباءكم، قالوا: لا سمع، ولا طاعة، إما بلسان المقال، أو بلسان الحال، فتدبر هذا، وتأمله إن بقي فيك بقية من إنصاف، وشعبة من خير، ومزعة من حياء، وحصة من دين، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
وقد أوضحت هذا غاية الإيضاح في كتابي الذي سميته أدب الطلب ومنتهى الأرب، فارجع إليه إن رمت أن تنجلي عنك ظلمات التعصب، وتتقشع لك سحائب التقليد {فانتقمنا مِنْهُمْ}. وذلك الانتقام ما أوقعه الله بقوم نوح، وعاد، وثمود {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين} من تلك الأمم، فإن آثارهم موجودة. {وَإِذْ قَالَ إبراهيم لأبِيهِ وَقَوْمِهِ} أي: واذكر لهم وقت قوله لأبيه، وقومه الذين قلدوا آباءهم، وعبدوا الأصنام {إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ} البراء مصدر نعت به للمبالغة، وهو يستعمل للواحد، والمثنى، والمجموع، والمذكر، والمؤنث. قال الجوهري: وتبرأت من كذا، وأنا منه براء وخلاء، لا يثنى، ولا يجمع، لأنه مصدر في الأصل، ثم استثنى خالقه من البراءة، فقال: {إِلاَّ الذى فَطَرَنِى} أي: خلقني {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} سيرشدني لدينه، ويثبتني على الحق، والاستثناء إما منقطع، أي: لكن الذي فطرني، أو متصل من عموم ما، لأنهم كانوا يعبدون الله، والأصنام، وإخباره بأنه سيهديه جزماً لثقته بالله سبحانه، وقوّة يقينه {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً باقية فِى عَقِبِهِ} الضمير في: {جعلها} عائد إلى قوله: {إِلاَّ الذى فَطَرَنِى}، وهي بمعنى التوحيد، كأنه قال: وجعل كلمة التوحيد باقية في عقب إبراهيم، وهم: ذرّيته، فلا يزال فيهم من يوحد الله سبحانه، وفاعل جعلها: إبراهيم، وذلك حيث وصاهم بالتوحيد، وأمرهم بأن يدينوا به كما في قوله: {ووصى بِهَا إبراهيم بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البقرة: 132] الآية، وقيل: الفاعل هو الله عزّ وجلّ، أي: وجعل الله عزّ وجلّ كلمة التوحيد باقية في عقب إبراهيم، والعقب: من بعد. قال مجاهد، وقتادة: الكلمة لا إله إلاّ الله لا يزال من عقبه من يعبد الله إلى يوم القيامة.
وقال عكرمة: هي: الإسلام.
قال ابن زيد: الكلمة هي قوله: {أَسْلَمْتُ لِرَبّ العالمين} [البقرة: 131]، وجملة {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} تعليل للجعل، أي: جعلها باقية رجاء أن يرجع إليها من يشرك منهم بدعاء من يوحد. وقيل: الضمير في: {لعلهم} راجع إلى أهل مكة، أي: لعلّ أهل مكة يرجعون إلى دينك الذي هو دين إبراهيم. وقيل: في الكلام تقديم، وتأخير، والتقدير: فإنه سيهدين لعلهم يرجعون، وجعلها... إلخ. قال السدّي: لعلهم يتوبون، فيرجعون عما هم عليه إلى عبادة الله. ثم ذكر سبحانه نعمته على قريش، ومن وافقهم من الكفار المعاصرين لهم، فقال: {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاَء وَءابَاءهُمْ} أضرب عن الكلام الأوّل إلى ذكر ما متعهم به من الأنفس، والأهل، والأموال، وأنواع النعم، وما متع به آباءهم، ولم يعاجلهم بالعقوبة، فاغترّوا بالمهلة، وأكبوا على الشهوات {حتى جَاءهُمُ الحق} يعني: القرآن {وَرَسُولٌ مُّبِينٌ} يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم، ومعنى {مبين}: ظاهر الرسالة واضحها، أو مبين لهم ما يحتاجون إليه من أمر الدين، فلم يجيبوه، ولم يعملوا بما أنزل عليه. ثم بيّن سبحانه ما صنعوه عند مجيء الحقّ، فقال: {وَلَمَّا جَاءهُمُ الحق قَالُواْ هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافرون} أي: جاحدون، فسموا القرآن سحراً، وجحدوه. واستحقروا رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} المراد بالقريتين: مكة، والطائف، وبالرجلين: الوليد بن المغيرة من مكة، وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف كذا قال قتادة، وغيره.
وقال مجاهد، وغيره: عتبة بن ربيعة من مكة، وعمير بن عبد ياليل الثقفي من الطائف، وقيل غير ذلك. وظاهر النظم أن المراد: رجل من إحدى القريتين عظيم الجاه واسع المال مسوّد في قومه، والمعنى: أنه لو كان قرآناً لنزل على رجل عظيم من عظماء القريتين، فأجاب الله سبحانه عنهم بقوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ} يعني: النبوّة، أو ما هو أعمّ منها، والاستفهام للإنكار. ثم بيّن أنه سبحانه هو الذي قسم بينهم ما يعيشون به من أمور الدنيا، فقال: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى الحياة الدنيا}، ولم نفوّض ذلك إليهم، وليس لأحد من العباد أن يتحكم في شيء بل الحكم لله وحده، وإذا كان الله سبحانه هو الذي قسم بينهم أرزاقهم، ورفع درجات بعضهم على بعض، فكيف لا يقنعون بقسمته في أمر النبوّة، وتفويضها إلى من يشاء من خلقه. قال مقاتل: يقول: أبأيديهم مفاتيح الرسالة، فيضعونها حيث شاءوا؟ قرأ الجمهور: {معيشتهم} بالإفراد، وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وابن محيصن: {معايشهم} بالجمع ومعنى {رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ درجات}: أنه فاضل بينهم، فجعل بعضهم أفضل من بعض في الدنيا بالرزق، والرياسة، والقوّة، والحرية، والعقل، والعلم، ثم ذكر العلة لرفع درجات بعضهم على بعض، فقال: {لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} أي: ليستخدم بعضهم بعضاً، فيستخدم الغنيّ الفقير، والرئيس المرءوس، والقويّ الضعيف، والحرّ العبد، والعاقل من هو دونه في العقل، والعالم الجاهل، وهذا في غالب أحوال أهل الدنيا، وبه تتمّ مصالحهم، وينتظم معاشهم، ويصل كلّ واحد منهم إلى مطلوبه، فإن كل صناعة دنيوية يحسنها قوم دون آخرين، فجعل البعض محتاجاً إلى البعض، لتحصل المواساة بينهم في متاع الدنيا، ويحتاج هذا إلى هذا، ويصنع هذا لهذا، ويعطي هذا هذا.
قال السدّي، وابن زيد: {سخرنا}: خولا وخدما، يسخر الأغنياء الفقراء، فيكون بعضهم سبباً لمعاش بعض.
وقال قتادة، والضحاك: ليملك بعضهم بعضاً، وقيل: هو من السخرية التي بمعنى: الاستهزاء، وهذا وإن كان مطابقاً للمعنى اللغوي، ولكنه بعيد من معنى القرآن، ومنافٍ لما هو مقصود السياق {وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} يعني بالرحمة: ما أعدّه الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة، وقيل: هي النبوّة لأنها المراد بالرحمة المتقدّمة في قوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ} ولا مانع من أن يراد كلّ ما يطلق عليه اسم الرحمة إما شمولاً أو بدلاً، ومعنى {مّمَّا يَجْمَعُونَ}: ما يجمعونه من الأموال، وسائر متاع الدنيا. ثم بيّن سبحانه حقارة الدنيا عنده، فقال: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة} أي: لولا أن يجتمعوا على الكفر ميلاً إلى الدنيا، وزخرفها {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضَّةٍ} جمع الضمير في بيوتهم، وأفرده في يكفر باعتبار معنى من ولفظها، ولبيوتهم بدل اشتمال من الموصول، والسقف جمع سقف. قرأ الجمهور بضمّ السين، والقاف كَرَهْن، ورُهُن. قال أبو عبيدة: ولا ثالث لهما.
وقال الفراء: هو جمع سقيف نحو كثيب، وكثب، ورغيف، ورغف، وقيل: هو جمع سقوف، فيكون جمعاً للجمع. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو بفتح السين، وإسكان القاف على الإفراد، ومعناه الجمع لكونه للجنس. قال الحسن: معنى الآية: لولا أن يكفر الناس جميعاً بسبب ميلهم إلى الدنيا، وتركهم الآخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه، لهوان الدنيا عند الله، وقال بهذا أكثر المفسرين.
وقال ابن زيد: لولا أن يكون الناس أمة واحدة في طلب الدنيا، واختيارهم لها على الآخرة.
وقال الكسائي: المعنى: لولا أن يكون في الكفار غنيّ، وفقير، وفي المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} المعارج: الدرج جمع معراج، والمعراج: السلم. قال الأخفش: إن شئت جعلت الواحدة مَعْرَج، ومِعْرَج مثل: مَرْقاة، ومِرْقاة، والمعنى: فجعلنا لهم معارج من فضة عليها يظهرون، أي: على المعارج يرتقون، ويصعدون، يقال ظهرت على البيت أي: علوت سطحه، ومنه قول النابغة:
بلغنا السماء مجداً وفخراً وسؤددا *** وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
أي: مصعداً {وَلِبُيُوتِهِمْ أبوابا وَسُرُراً} أي: وجعلنا لبيوتهم أبواباً من فضة، وسرراً من فضة {عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ} أي: على السرر، وهو جمع سرير، وقيل: جمع أسرة، فيكون جمعاً للجمع، والاتكاء، والتوكؤ: التحامل على الشيء، ومنه: {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} [طه: 18] واتكأ على الشيء، فهو متكأ، والموضع متكئ، والزخرف: الذهب. وقيل: الزينة أعمّ من أن تكون ذهباً، أو غيره. قال ابن زيد: هو: ما يتخذه الناس في منازلهم من الأمتعة، والأثاث.
وقال الحسن: النقوش، وأصله الزينة، يقال: زخرفت الدار أي: زينتها، وانتصاب {زخرفاً} بفعل مقدّر، أي: وجعلنا لهم مع ذلك زخرفاً، أو بنزع الخافض، أي: أبواباً، وسرراً من فضة، ومن ذهب، فلما حذف الخافض انتصب. ثم أخبر سبحانه أن جميع ذلك إنما يتمتع به في الدنيا، فقال: {وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا متاع الحياة الدنيا} قرأ الجمهور: {لما} بالتخفيف، وقرأ عاصم، وحمزة، وهاشم عن ابن عامر بالتشديد. فعلى القراءة الأولى تكون إن هي المخففة من الثقيلة، وعلى القراءة الثانية هي النافية، و{لما} بمعنى إلاّ، أي: ما كل ذلك إلاّ شيء يتمتع به في الدنيا. وقرأ أبو رجاء بكسر اللام من {لما} على أن اللام للعلة، وما موصولة، والعائد محذوف، أي: للذي هو متاع {والآخرة عِندَ رَبّكَ لِلْمُتَّقِينَ} أي: لمن اتقى الشرك، والمعاصي، وآمن بالله وحده، وعمل بطاعته، فإنها الباقية التي لا تفنى، ونعيمها الدائم الذي لا يزول.
وقد أخرج ابن جرير، عن ابن عباس {بَلْ قَالُواْ إِنَّا وَجَدْنَا ءابَاءنَا} قال: على دين.
وأخرج عبد بن حميد عنه {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً باقية} قال: لا إله إلاّ الله {فِى عَقِبِهِ} قال: عقب إبراهيم ولده.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه عنه أيضاً: أنه سئل عن قول الله: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} ما القريتان؟ قال: الطائف، ومكة، قيل: فمن الرجلان؟ قال: عمير بن مسعود، وخيار قريش.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه أيضاً قال: يعني بالقريتين: مكة والطائف، والعظيم: الوليد بن المغيرة القرشي، وحبيب بن عمير الثقفي.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً في الآية قال: يعنون أشرف من محمد: الوليد بن المغيرة من أهل مكة، ومسعود بن عمرو الثقفي من أهل الطائف.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {لَّوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة} الآية يقول: لولا أن أجعل الناس كلهم كفاراً لجعلت لبيوت الكفار سقفاً من فضة، ومعارج من فضة، وهي: درج عليها يصعدون إلى الغرف، وسرر فضة، وزخرفاً: وهو الذهب.
وأخرج الترمذي وصححه، وابن ماجه، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء».


قوله: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن} يقال: عشوت إلى النار: قصدتها، وعشوت عنها: أعرضت عنها، كما تقول: عدلت إلى فلان، وعدلت عنه، وملت إليه، وملت عنه، كذا قال الفراء، والزجاج، وأبو الهيثم، والأزهري. فالمعنى: ومن يعرض عن ذكر الرحمن. قال الزجاج: معنى الآية: أن من أعرض عن القرآن، وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلين يعاقبه الله بشيطان يقيضه له حتى يضله، ويلازمه قريناً له، فلا يهتدى مجازاة له حين آثر الباطل على الحق البين.
وقال الخليل: العشو: النظر الضعيف، ومنه:
لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره *** إذا الريح هبت والمكان جديب
والظاهر أن معنى البيت: القصد إلى النار لا النظر إليها ببصر ضعيف كما قال الخليل، فيكون دليلاً على ما قدّمنا من أنه يأتي بمعنى: القصد، وبمعنى: الإعراض، وهكذا ما أنشده الخليل مستشهداً به على ما قاله من قول الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره *** تجد خير نار عندها خير موقد
فإن الظاهر أن معناه: تقصد إلى ضوء ناره، لا تنظر إليها ببصر ضعيف. ويمكن أن يقال: إن المعنى في البيتين: المبالغة في ضوء النار، وسطوعها، بحيث لا ينظرها الناظر إلاّ كما ينظر من هو معشي البصر لما يلحق بصره من الضعف عند ما يشاهده من عظم وقودها.
وقال أبو عبيدة، والأخفش: إن معنى {وَمَن يَعْشُ}: ومن تظلم عينه، وهو نحو قول الخليل، وهذا على قراءة الجمهور: {ومن يعش} بضم الشين من عشا يعشو. وقرأ ابن عباس، وعكرمة: {ومن يعش} بفتح الشين، يقال: عشي الرجل يعشى عشياً: إذا عمى، ومنه قول الأعشى:
رأت رجلاً غايب الوافدي *** ن مختلف الخلق أعشى ضريرا
وقال الجوهري: والعشا مقصور، مصدر الأعشى: وهو الذي لا يبصر بالليل، ويبصر بالنهار، والمرأة عشواء. وقرئ: {يعشو} بالواو على أن {من} موصولة غير متضمنة معنى الشرط. قرأ الجمهور: {نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً} بالنون وقرأ السلمي، وابن أبي إسحاق، ويعقوب، وعصمة عن عاصم، والأعمش بالتحتية مبنياً للفاعل، وقرأ ابن عباس بالتحتية مبنياً للمفعول ورفع شيطان على النيابة {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} أي: ملازم له لا يفارقه، أو هو ملازم للشيطان لا يفارقه، بل يتبعه في جميع أموره، ويطيعه في كلّ ما يوسوس به إليه {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السبيل} أي: وإن الشياطين الذين يقيضهم الله لكلّ أحد ممن يعشو عن ذكر الرحمن كما هو معنيّ من {ليصدّونهم}، أي: يحولون بينهم، وبين سبيل الحق، ويمنعونهم منه، ويوسوسون لهم أنهم على الهدى حتى يظنون صدق ما يوسوسون به، وهو معنى قوله: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} أي: يحسب الكفار أن الشياطين مهتدون، فيطيعونهم، أو يحسب الكفار بسبب تلك الوسوسة أنهم في أنفهسم مهتدون {حتى إِذَا جَاءنَا} قرأ الجمهور بالتثنية، أي: الكافر والشيطان المقارن له، وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص بالإفراد أي: الكافر، أو جاء كلّ واحد منهما {قَالَ} الكافر مخاطباً للشيطان: {ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين} أي: بعد ما بين المشرق والمغرب، فغلب المشرق على المغرب.
قال مقاتل: يتمنى الكافر أن بينهما بعد مشرق أطول يوم في السنة من مشرق أقصر يوم في السنة، والأوّل أولى، وبه قال الفراء {فَبِئْسَ القرين} المخصوص بالذم محذوف، أي: أنت أيها الشيطان. {وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم} هذا حكاية لما سيقال لهم يوم القيامة {إِذ ظَّلَمْتُمْ} أي: لأجل ظلمكم أنفسكم في الدنيا، وقيل: إن {إذ} بدل من اليوم؛ لأنه تبين في ذلك اليوم أنهم ظلموا أنفسهم في الدنيا. قرأ الجمهور: {أَنَّكُمْ فِى العذاب مُشْتَرِكُونَ} بفتح أن على أنها وما بعدها في محلّ رفع على الفاعلية، أي: لن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب. قال المفسرون: لا يخفف عنهم بسبب الاشتراك شيء من العذاب؛ لأن لكلّ أحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر منه. وقيل: إنها للتعليل لنفي النفع، أي: لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه في الدنيا، ويقوّي هذا المعنى قراءة ابن عامر على اختلاف عليه فيها بكسر إن. ثم ذكر سبحانه أنها لا تنفع الدعوة والوعظ من سبقت له الشقاوة، فقال: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِى العمى} الهمزة لإنكار التعجب، أي: ليس لك ذلك، فلا يضيق صدرك إن كفروا، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإخبار له أنه لا يقدر على ذلك إلاّ الله عزّ وجلّ، وقوله: {وَمَن كَانَ فِى ضلال مُّبِينٍ} عطف على العمي، أي: إنك لا تهدي من كان كذلك، ومعنى الآية: أن هؤلاء الكفار بمنزلة الصمّ الذين لا يعقلون ما جئت به، وبمنزلة العمي الذين لا يبصرونه لإفراطهم في الضلالة، وتمكنهم من الجهالة {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} بالموت قبل أن ينزل العذاب بهم {فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} إما في الدنيا، أو في الآخرة، وقيل: المعنى: نخرجنك من مكة {أَوْ نُرِيَنَّكَ الذى وعدناهم} من العذاب قبل موتك {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ} متى شئنا عذبناهم. قال كثير من المفسرين: قد أراه الله ذلك يوم بدر.
وقال الحسن، وقتادة: هي في أهل الإسلام يريد ما كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن، وقد كان بعد النبي فتنة شديدة، فأكرم الله نبيه، وذهب به، فلم يره في أمته شيئاً من ذلك، والأوّل أولى. {فاستمسك بالذى أُوحِىَ إِلَيْكَ} أي: من القرآن، وإن كذّب به من كذّب {إِنَّكَ على صراط مُّسْتَقِيمٍ} أي: طريق واضح، والجملة تعليل لقوله: {فاستمسك} {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} أي: وإن القرآن لشرف لك، ولقومك من قريش إذ نزل عليك، وأنت منهم بلغتك، ولغتهم، ومثله قوله: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10]، وقيل: بيان لك، ولأمتك فيما لكم إليه حاجة. وقيل: تذكرة تذكرون بها أمر الدين، وتعملون به {وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ} عما جعله الله لكم من الشرف، كذا قال الزجاج، والكلبي، وغيرهما. وقيل: يسئلون عما يلزمهم من القيام بما فيه، والعمل به {وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن ءالِهَةً يُعْبَدُونَ} قال الزهري، وسعيد بن جبير، وابن زيد: إن جبريل قال ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به. فالمراد: سؤال الأنبياء في ذلك الوقت عند ملاقاته لهم، وبه قال جماعة من السلف.
وقال المبرد، والزجاج، وجماعة من العلماء: إن المعنى: واسأل أمم من قد أرسلنا. وبه قال مجاهد، والسدّي، والضحاك، وقتادة، وعطاء، والحسن. ومعنى الآية على القولين: سؤالهم هل أذن الله بعبادة الأوثان في ملة من الملل، وهل سوّغ ذلك لأحد منهم؟ والمقصود: تقريع مشركي قريش بأن ما هم عليه لم يأت في شريعة من الشرائع.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عثمان المخزومي أن قريشاً قالت: قيضوا لكل رجل من أصحاب محمد رجلاً يأخذه، فقيضوا لأبي بكر طلحة بن عبيد الله، فأتاه، وهو في القوم، فقال أبو بكر: إلاّم تدعوني؟ قال: أدعوك إلى عبادة اللات، والعزّى. قال أبو بكر: وما اللات؟ قال: أولاد الله. قال: وما العزّى. قال: بنات الله. قال أبو بكر: فمن أمهم؟ فسكت طلحة، فلم يجبه، فقال لأصحابه: أجيبوا الرجل، فسكت القوم، فقال طلحة: قم يا أبا بكر أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، فأنزل الله: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن} الآية. وثبت في صحيح مسلم، وغيره أن مع كل إنسان قريناً من الجنّ.
وأخرج ابن مردويه عن عليّ في قوله: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} قال: ذهب نبيه صلى الله عليه وسلم، وبقيت نقمته في عدوّه.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {أَوْ نُرِيَنَّكَ الذى وعدناهم} قال: يوم بدر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب من طرق عنه في قوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} قال: شرف لك، ولقومك.
وأخرج ابن عدّي، وابن مردويه عن عليّ، وابن عباس قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل بمكة، ويعدهم الظهور، فإذا قالوا: لمن الملك بعدك؟ أمسك، فلم يجبهم بشيء؛ لأنه لم يؤمر في ذلك بشيء حتى نزلت: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}، فكان بعد إذا سئل قال: قريش، فلا يجيبونه حتى قبلته الأنصار على ذلك.
وأخرج عبد بن حميد من طريق الكلبي عن ابن عباس في قوله: {وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا} قال: اسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا.

1 | 2